يكشف المقرئ فوضيل بلعظم الذي يبلغ من العمر 37 سنة، قصّته مع حفظ القرآن الكريم والإجازة
في القراءات العشرة المتواترة التي تنقّل من أجلها إلى الشام، حتّى لم يبق بينه
وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سوى 32 رجلا.
كيف كانت بداية المشوار مع حفظ كتاب الله والتّخصّص في القراءات؟ في
مُستهل الأمر كانت لدي أمنية حفظ القرآن الكريم، وقد كنتُ أصلّي بالطلبة
في الحي الجامعي عندما كنت مسجّلاً في معهد الأدب بجامعة السانيا بوهران
سنوات التسعينيات، في ذلك الحين ساق لي الله تعالى زميلاً لي من ولاية
الأغواط، تغمّده الله برحمته، أخبرني بأنّ هناك شيخاً يُدعى الشيخ بلقاسم
كيرد، حفظه الله، له منهجية في تحفيظ القرآن الكريم خلال مدّة تسعة أشهر،
وله منهجية جديدة أيضاً في حفظ المتون العلمية والحديث الشّريف، وأعطاني
كتيبا اطلعتُ عليه آنذاك، إلاّ أنّي لم أتّصل بهذا الشيخ إلاّ بعد أن
أتممتُ دراستي والخدمة العسكرية، حيث تنقّلت إلى الأغواط فاحتضنني الشيخ
وتمكنتُ من حفظ القرآن في تسعة أشهر بمعدل ربع في كلّ يوم، غير أنّي بقيتُ
عند شيخي مدّة ثلاث سنوات كاملة بعد أن أصبحتُ مساعداً له في مهمّة تحفيظ
القرآن.
وماذا عن قصّة التّخصّص في القراءات؟ أوّلاً
يجب أن أخبرك بأنّ حفظ القرآن كان نقطة تحوّل كبيرة في حياتي، خاصة أنّي
تأثرتُ كثيراً بشيخي نتيجة سمته وورعه وصبره على الطلبة، وعندها زادت همّتي
في التّخصّص من خلال الحصول على السند الشّريف المتواتر عن رسول الله،
فقرّرتُ السّفر إلى بلاد الشام بتوفيق من الله. واستطعتُ سنة 2003 ختم
القرآن بقراءة حفص عن عاصم على يد الشيخ معاذ الطبان، وختمة أخرى بالقراءات
العشرة المتواترة عن الشيخ فايز الفزعان، باعتبار أنّي تحصّلتُ على
الإجازة وأصبح بيني وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في السند المتواتر
32 رجلا فقط، وهذه نعمة كبيرة أشكر الله عليها، وأمانة ثقيلة أتمنّى أن
أوفّق لحملها وتأديتها.
وكَم دامت الرِّحلة إلى بلاد الشام؟ أقمتُ
في سوريا مدة ثلاث سنوات، سجّلتُ فيها بمعهد الفتح الإسلامي، وأذكُر أنّ
شيخي بلقاسم كيرد زارني هناك وأقام عندي ثلاثة أشهر كاملة، حيث كان يرغب في
تلقي علم القراءات وقرأ عليّ ختمة بقراءة حفص وأجزتهُ بها فكان ذلك من
عجائب الأمور التي حصلت لي، وهو أنْ أجيز شيخي الذي حفظتُ على يديه القرآن
الكريم، وكانت هذه الواقعة مثل واقعة الإمام مالك والإمام نافع رضي الله
عنهما.
برأيك ما هي المواصفات الواجب توفّرها في المقرئ؟ الشرط
الأساسي هو حفظ القرآن الكريم، أمّا الصوت والأداء فهُما هِبة إلهية، إذ
لا يمكن أن يتكرّر صوت أبي موسى الأشعري أو عبد الله بن مسعود رضي الله
عنهما، لأنّ الله حباهما بالصوت الجميل، والشرط الأساسي الثاني هو الإجازة
والإسناد بعد الضبط والمُكنّى من القراءات المتواترة.
وكيف تُحافظ على صوتك؟ بالتّحصينات
الشّرعية اتّقاء للعين والحسد، فضلاً عن الدراية بكيفية استخدام الصوت
والتّوكّل الدائم على الله والإخلاص حتّى تستطيع التأثير في النّاس، لأنّه
دون هذه الأشياء مجتمعة لَن ينجح المقرئ، أمّا الأمور الأخرى مثل استعمال
العسل فهي مجرد مُكمّلات مساعدة.
وكيف ترى واقع المقرئين في الجزائر؟ للأسف
الشّديد عندنا حفظة كُثُر ولكن نحتاج إلى مقرئين مُجازين، ولذلك ينبغي
الاهتمام أكثر بهذا العلم من خلال تشجيع المقرئين وتحفيزهم وتعريفهم
للنّاس، مع إحياء سُنّة الإقراء التي أصبحت تعرف اهتماماً محسوساً، فقد
استطعت بتوفيق من الله أن أجيز لحد الساعة 15 حافظا بقراءة ورش في مسجد زين
العابدين بوهران من بينهم أربع طالبات.